الرأي نيوز - الدكتور ضرار الدبوبي
بقدر ما يحمله غرق وتحطم تلك الغواصة من غموض، بقدر ما ينعكس ذلك على غموض الموقف القانوني للمسؤولية الناجمة عن غرق تلك الغواصة. فلا نستطيع تطبيق القواعد الدولية المتعلقة بمسؤولية الناقل البحري على المسؤولية الناجمة عن حادثة انفجار تلك الغواصة التي ذهب ضحيتها خمسة أشخاص. ذلك أن الغواصة لا ينطبق عليها مفهوم السفينة والذي يؤهلها لأن تخضع لقواعد المسؤولية القانونية التي تم تنظيمها في نصوص المعاهدات الدولية ذات العلاقة. إذن، لا بد لنا من أن نحدد طبيعة المسؤولية الناجمة عن تلك الحادثة، فهنا تعتبر المسؤولية عن وفاة مستقلي تلك الغواصة مسؤولية عقدية فيما بينهم ومابين مشغلي تلك الغواصة، وبهذا نستثني المسؤولية التقصيرية من إطار النقاش، إلا إذا كان التحطم والانفجار ناجم عن فعل طرف ثالث، حينها ننتقل للبحث في المسؤولية التقصيرية (الفعل الضار). وحتى يتم إسناد المسؤولية العقدية إلى أحد أطراف التعاقد يقتضي ذلك ضرورة إثبات ركن الخطأ ، وهي مهمة على غاية من التعقيد في ظل غياب المعيار الدقيق للخطأ في إطار مثل تلك الرحلات. فمعيار الخطأ يقتضي مراعاة هامش الخطورة المقبولة وفقاً للأعراف المتبعة في مثل تلك الرحلات، ناهيك عن مشقة وصعوبة الإثبات بسبب سوء الظروف المحيطة التي اكتنفت مجريات الانفجار والذي يبعد مئات الأمتار عن سطح البحر عمقاً، مما يصعب فيه جمع الأدلة المتخلفة عن تلك الحادثة. وما يزيد الأمر صعوبة هو تحديد سبب الانفجار الذي أدى إلى تحطمها وانفجارها نحو الداخل. فهل أن ضغط مياه المحيط هو من تسببت بالانفجار؟ وهنا قد تثور مسؤولية الشركة الصانعة التي لم تراع في صناعتها هذا الحجم من ضغط المياه. أم أن السبب يعود إلى سوء الصيانة والاستدامة؟ وهنا تثور مسؤولية الشركة المشغلة لهذه الغواصة. أم أن الغواصة قد ارتطمت بجسم صلب؟ حينها ستقوم مسؤولية متولي القيادة والسيطرة لتلك الغواصة، وهي على الأغلب مسؤولية تقع على عاتق الشركة المشغلة لتلك الغواصة. وقد تكون الغواصة قد تعرضت لفعل خارجي من طرف آخر مما تسبب في هذا الانفجار؟ وهذا بمجمله يتطلب من المحكمة المختصة استنطاق خبرات فنية وتفنية وهندسية متخصصة في حقل الغواصات البحرية ، والذي سيمكنها من استظهار الخطأ ومن تسبب فيه.
سيناريوهات متعددة ومعقدة من الممكن تصورها في هذا الإطار. أما بخصوص الشروط العقدية التي وضعتها الشركة المشغلة بعدم مسؤوليتها عما قد يحصل لهم أثناء الرحلة من خسارات أو وفيات، فهذه شروط لا تنفي مسؤوليتها إلا في حدود ضيقة، فلا يجوز لنا التمسك بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين ومبدأ سلطان الإرادة وحرية التعاقد على وجه تُهدر به حقوق الإنسانية وعلى رأسها حق الإنسان في الحياة. وعلى الأغلب أن من سيتولى تغطية خسائر الأرواح وخسارة الغواصة نفسها هي شركة التأمين، والتي ستتحمل مبالغ طائلة في سبيل ذلك، وبالأخص بأن الذين خسروا أرواحهم في هذه الرحلة هم أشخاص بمرتبة ملياردير وأشخاص مشهورون عالمياً في اكتشاف أعماق البحار ومتقدمون في علم الملاحة والغوص والاستكشاف، والذي يرفع قيمة التعويضات المستحقة لذويهم. ناهيك عن وفاة المدير التنفيذي للشركة المشغلة للغواصة في نفس هذه الحادثة. ولن تتوقف النزاعات عند ذلك بل أن شركة التأمين ستبحث عن المتسبب لتستعيد منه ماتم دفعه من تعويضات.